فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما لم يسبقه يوم اجتمع فيه جميع الخلق من الجن والإنس والملائكة وجميع الحيوانات أحياء، وكان ذلك مسوغًا لأن تعد شهادة غيره عدمًا فقال تعالى: {وذلك} أي اليوم العظيم: {يوم مشهود} أي هو نفسه لهم ولغيرهم من جميع الخلق، فيكون تنوينه للتعظيم بدلالة المقام، أو يكون المعنى أنه أهل لأن يشهد، وتتوفر الدواعي على حضوره لما فيه من عجائب الأمور والأهوال العظام والمواقف الصعبة، فلا يكون ثم شغل إلا نظر ما فيه والإحاطة بحوادثه خوف التلاف ورجاء الخلاص؛ والآية: العلامة العظيمة لما فيها من البيان عن الأمر الكبير؛ والخوف: انزعاج النفس بتوقع الشر، وضده الأمن وهو سكون النفس بتوقع الخير؛ والعذاب: استمرار الألم.
ولما تقدم قولهم: {ما يحبسه} كان كأنه قيل في الرد عليهم: نحن قادرون على تعجيله، وهو- كما أشرنا إليه في هذه الآية- عندنا متى شئنا في غاية السهولة: {وما نؤخره} أي اليوم أو الجزاء مع ما لنا من العظمة والقدرة التامة على إيجاده لشيء من الأشياء: {إلا لأجل} أي لأجل انتهاء أجل: {معدود} سبق في الأزل تقديره ممن لا يبدل القول لديه وكل شيء في حكمه، فهو لا يخشى الفوت؛ ومادة أجل بتراكيبها الأربعة: أجل وجأل وجلأ ولجأ تدور على المدة المضروبة للشيء، فالأجل- محركة: مدة الشيء وغاية الوقت في الموت وحلول الدين من تسمية الجزء باسم الكل، والتأجيل: تحديد الأجل، ويلزمه التأخير، ومنه أجل الشيء كفرح- إذا تأخر، والآجلة: الآخرة، وأجل الشيء- بالفتح: حبسه ومنعه، لأن الأجل حابس ومانع للمؤجل، ومنه أجلى كجمزى، وهو مرعى لهم معروف كأنه لحسنه يحبس الراعي فيه، وأجل الشر عليهم: حناه وأثاره وهيجه، ولأهله: كسب وجمع واحتال، لأن ذلك كله من لوازم ذي الأجل، أو المعنى أنه أوجد أجل ذلك، وكمقعد ومعظم: مستنفع الماء، لأنه محيط به إحاطة الأجل بالمؤجل، وأجله فيه تأجيلًا: جمعه فتأجل، والمأجل: الحوض يحبس فيه الماء، وأجلوا ما لهم: حبسوه في المرعى، والاجل- بالكسر: قطيع من بقر الوحش، تشبيهًا له في اجتماعه من حيث إنه أحصن له بالأجل لأنه- كما قيل- حصن حصين، والاجل- بالكسر أيضًا: وجع في العنق، لأنه من أسباب حلول الأجل، وأجله: داواه منه، وبالضم جمع أجيل للمتأخر وللمجتمع من الطين يجعل حول النخلة، لإحاطته بها إحاطة الأجل وتحصينه لها، وتأجل القوم: تجمعوا، لأن التجمع أحصن لهم، وأجل- بفتحتين ثم سكون: جواب كنعم وزنًا ومعنى إلا أنه أحسن منه في التصديق، ونعم منه في الاستفهام، وحقيقة ذلك الإخبار بأن أجل- أي وقت- ذلك الفعل الموجب أو المستفهم عنه قد حضر، وفعلت ذلك من أجلك- من غير {من}- ومن أجلك، ومن أجلاك ومن أجلالك ويكسر في الكل، أي من جللك- قاله في القاموس، وقال في فصل الجيم: وفعلته من جلك- بالضم- وجلالك وجللك- محركة- وتجلتك وإجلالك- بالكسر، ومن أجل إجلالك ومن أجلك بمعنى- انتهى.
وحقيقته أن فعلي مبتدئ من أجلك- بالتحريك، أو تكون {من} سببية، اي أجلك سبب فيه، ولولا وجودك ما فعلته فهو لتعظيمك؛ والملجأ واللجأ- محركة: المعقل والملاذ، كأنه شبه بالأجل، ومنه لجأ إليه- كمنع وفرح: لاذ، وألجأ أمره إلى الله: أسنده، وألجأ فلانًا إلى كذا: اضطره، والتلجئة: الإكراه، واللجأ- محركًا: الضفدع، لالتجائها إلى الماء؛ ومن ذلك الجيأل- كصقيل، وجيأل وجيألة ممنوعين، وجيل بلا همز كله اسم الضبع لكثرة لجائها إلى وجارها، ومنه جئل- كفرح- جألانًا: عرج، كأنه تشبيه بمشيتها، لأن من أسمائها العرجاء، أو تشبيه بمشية الراقي في درج الملجأ، أي الحصن، وكذا الأجل- كقنب وقبر- وهو ذكر الأوعال، لأن قرونه كالحصن له، وجيألة الجرح: غثيثه، وهو مرية، لأنه من أسباب قرب الأجل، وكذا الاجئلال- أي الفزع- ربما كان سببًا لذلك، وربما كان سببًا للمبادرة إلى الحصن، وجأل- كمنع: ذهب وجاء، والصوف: جمعه واجتمع- لازم متعد، كله من لوازم الأجل بمعنى المدة، وجلأ بالرجل- كمنع: صرعته، وبثوبه: رماه، كأنه جعله في قوة من حضر أجله، وإن شئت قلت في ضبط ذلك: إن المادة- مع دورانها على المدة- تارة تنظر إلى نفس المدة، وتارة إلى آخرها، وتارة إلى امتدادها وتأخرها، وتارة إلى ما يدني منه، وتارة إلى منفعتها، وتارة إلى ما يلزم فيها، فمن النظر إلى نفس المدة: التأجيل بمعنى تحديد الأجل، وهو مدة الشيء، وفعلت هذا من أجلك، أي لولا وجودك ما فعلته، وأجل بمعنى نعم، أي حضرت مدة الفعل، ومن النظر إلى الآخر: دنا الأجل- في الموت والدّين، ومن النظر إلى التأخر: أجل الشيء- إذا تأخر، والآجلة: الآخرة، ومن النظر إلى السبب المدني: الأجل- بالكسر- لوجع في العنق، وجيألة الجرح- لغثيثه أي مريه، وجلأ بالرجل: صرعه وبثوبه: رماه، وأجل الشر عليهم: جناه، أو أثاره وهيجه، والاجئلال: الفزع، ومن النظر إلى المنفعة وهي أن التأجيل الذي هو تحديد الأجل للشيء مانع من أخذه دون ما ضرب له من المدة: الاجل- بالكسر- للقطيع من بقر الوحش، وأجل الشيء: حبسه ومنعه، وأجلى كجمزي: مرعي لهم معروف، وتأجل القوم: تجمعوا، وجأل الصوف جمعه، واللجأ والملجأ: المعقل والملاذ، والضفدع للزومها ملجأها من الماء، والجيأل للضبع للزومها وجارها، ولذلك تسمى أم عامر، وجئل- كفرح: عرج، كأنه شبه بمشيتها لأنها تسمى العرجاء، والأجل كقنب وقبر- لذكر الأوعال، لتحصنه بقرونه، والأجل- بالضم: المجتمع من الطين يجعل حول النخلة، والمآجل: الحوض يحبس فيه الماء، ومستنقع الماء مطلقًا، وأجله تأجيلًا: جمعه، ومن النظر إلى ما يلزم في المدة: أجل لأهله: كسب وجمع وجلب واحتال، وجأل- كمنع: جاء وذهب؛ فقد تبين أن المراد بالأجل هنا الحين. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ}
اعلم أنه تعالى لما ذكر قصص الأولين قال: {ذلك مِنْ أَنْبَاء القرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ} والفائدة في ذكرها أمور: أولها: أن الانتفاع بالدليل العقلي المحض إنما يحصل للإنسان الكامل، وذلك إنما يكون في غاية الندرة.
فأما إذا ذكرت الدلائل ثم أكدت بأقاصيص الأولين صار ذكر هذه الأقاصيص كالموصل لتلك الدلائل العقلية إلى العقول.
الوجه الثاني: أنه تعالى خلط بهذه الأقاصيص أنواع الدلائل التي كان الأنبياء عليهم السلام يتمسكون بها ويذكر مدافعات الكفار لتلك الدلائل وشبهاتهم في دفعها، ثم يذكر عقيبهما أجوبة الأنبياء عنها ثم يذكر عقيبها أنهم لما أصروا واستكبروا وقعوا في عذاب الدنيا وبقي عليهم اللعن والعقاب في الدنيا وفي الآخرة، فكان ذكر هذه القصص سببًا لإيصال الدلائل والجوابات عن الشبهات إلى قلوب المنكرين، وسببًا لإزالة القسوة والغلظة عن قلوبهم، فثبت أن أحسن الطرق في الدعوة إلى الله تعالى ما ذكرناه.
الفائدة الثالثة: أنه عليه السلام كان يذكر هذه القصص من غير مطالعة كتب، ولا تلمذ لأحد وذلك معجزة عظيمة تدل على النبوة كما قررناه.
الفائدة الرابعة: إن الذين يسمعون هذه القصص يتقرر عندهم أن عاقبة الصديق والزنديق والموافق والمنافق إلى ترك الدنيا والخروج عنها، إلا أن المؤمن يخرج من الدنيا مع الثناء الجميل في الدنيا، والثواب الجزيل في الآخرة، والكافر يخرج من الدنيا مع اللعن في الدنيا والعقاب في الآخرة، فإذا تكررت هذه الأقاصيص على السمع، فلابد وأن يلين القلب وتخضع النفس وتزول العداوة ويحصل في القلب خوف يحمله على النظر والاستدلال، فهذا كلام جليل في فوائد ذكر هذه القصص.
أما قوله: {ذلك مِنْ أَنْبَاء القرى} ففيه أبحاث:
البحث الأول:
أو قوله: {ذلك} إشارة إلى الغائب، والمراد منه هاهنا الإشارة إلى هذه القصص التي تقدمت، وهي حاضرة، إلا أن الجواب عنه ما تقدم في قوله: {ذلك الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2].
البحث الثاني:
أن لفظ {ذلك} يشار به إلى الواحد والاثنين والجماعة لقوله تعالى: {لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذلك} [البقرة: 68] وأيضًا يحتمل أن يكون المراد ذلك الذي ذكرناه هو كذا وكذا.
البحث الثالث:
قال صاحب الكشاف: {ذلك} مبتدأ: {مِنْ أَنْبَاء القرى} خبر: {نَقُصُّهُ عَلَيْكَ} خبر بعد خبر أي ذلك المذكور بعض أنباء القرى مقصوص عليك.
ثم قال: {مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} والضمير في قوله: {مِنْهَا} يعود إلى القرى شبه ما بقي من آثار القرى وجدرانها بالزرع القائم على ساقه وما عفا منها وبطر بالحصيد، والمعنى أن تلك القرى بعضها بقي منه شيء وبعضها هلك وما بقي منه أثر ألبتة.
ثم قال تعالى: {وَمَا ظلمناهم ولكن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} وفيه وجوه: الأول: وما ظلمناهم بالعذاب والإهلاك، ولكن ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية.
الثاني: أن الذي نزل بالقوم ليس بظلم من الله بل هو عدل وحكمة، لأجل أن القوم أولًا ظلموا أنفسهم بسبب إقدامهم على الكفر والمعاصي فاستوجبوا لأجل تلك الأعمال من الله ذلك العذاب.
الثالث: قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد وما نقصناهم من النعيم في الدنيا والرزق، ولكن نقصوا حظ أنفسهم حيث استخفوا بحقوق الله تعالى.
ثم قال: {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ ءالِهَتَهُمُ التى يَدْعُونَ مِن دُونِ الله مِن شَيْء} أي ما نفعتهم تلك الآلهة في شيء ألبتة.
ثم قال: {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: غير تخسير.
يقال: تب إذا خسر وتببه غيره إذا أوقعه في الخسران، والمعنى أن الكفار كانوا يعتقدون في الأصنام أنها تعين على تحصيل المنافع ودفع المضار ثم إنه تعالى أخبر أنهم عند مساس الحاجة إلى المعين ما وجدوا منها شيئًا لا جلب نفع ولا دفع ضر، ثم كما لم يجدوا ذلك فقد وجدوا ضده، وهو أن ذلك الاعتقاد زال عنهم به منافع الدنيا والآخرة وجلب إليهم مضار الدنيا والآخرة، فكان ذلك من أعظم موجبات الخسران.
{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}
وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ عاصم والجحدري: {إِذْ أَخَذَ القرى} بألف واحدة، وقرأ الباقون بألفين.
المسألة الثانية:
اعلم أنه تعالى لما أخبر الرسول عليه السلام في كتابه بما فعل بأمم من تقدم من الأنبياء لما خالفوا الرسل وردوا عليهم من عذاب الاستئصال، وبين أنهم ظلموا أنفسهم فحل بهم العذاب في الدنيا قال بعده: {وكذلك أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ القرى وَهِىَ ظالمة} فبين أن عذابه ليس بمقتصر على من تقدم، بل الحال في أخذ كل الظالمين يكون كذلك وقوله: {وَهِىَ ظالمة} الضمير فيه عائد إلى القرى وهو في الحقيقة عائد إلى أهلها، ونظيره قوله: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظالمة} [الأنبياء: 11] وقوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} [القصص: 58].
واعلم أنه تعالى لما بين كيفية أخذ الأمم المتقدمة ثم بين أنه إنما يأخذ جميع الظالمين على ذلك الوجه أتبعه بما يزيده تأكيدًا وتقوية فقال: {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} فوصف ذلك العذاب بالإيلام وبالشدة، ولا منغصة في الدنيا إلا الألم، ولا تشديد في الدنيا وفي الآخرة، وفي الوهم والعقل إلا تشديد الألم.
واعلم أن هذه الآية تدل على أن من أقدم على ظلم فإنه يجب عليه أن يتدارك ذلك بالتوبة والإنابة لئلا يقع في الأخذ الذي وصفه الله تعالى بأنه أليم شديد ولا ينبغي أن يظن أن هذه الأحكام مختصة بأولئك المتقدمين، لأنه تعالى لما حكى أحوال المتقدمين قال: {وكذلك أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ القرى وَهِىَ ظالمة} فبين أن كل من شارك أولئك المتقدمين في فعل ما لا ينبغي، فلابد وأن يشاركهم في ذلك الأخذ الأليم الشديد.
ثم قال تعالى: {إِنَّ في ذلك لآيَةً لّمَنْ خَافَ عَذَابَ الأخرة} قال القفال: تقرير هذا الكلام أن يقال: إن هؤلاء إنما عذبوا في الدنيا لأجل تكذيبهم الأنبياء وإشراكهم بالله، فإذا عذبوا في الدنيا على ذلك وهي دار العمل، فلأن يعذبوا عليه في الآخرة التي هي دار الجزاء كان أولى.
واعلم أن كثيرًا ممن تنبه لهذا البحث من المفسرين عولوا على هذا الوجه، بل هو ضعيف، وذلك لأنَّ على هذا الوجه الذي ذكره القفال يكون ظهور عذاب الاستئصال في الدنيا دليلًا على أن القول بالقيامة والبعث والنشر حق وصدق، وظاهر الآية يقتضي أن العلم بأن القيامة حق كالشرط في حصول الاعتبار بظهور عذاب الاستئصال، وهذا المعنى كالمضاد لما ذكره القفال، لأن القفال يجعل العلم بعذاب الاستئصال أصلًا للعلم بأن القيامة حق، فبطل ما ذكره القفال والأصوب عندي أن يقال: العلم بأن القيامة حق موقوف على العلم بأن المدبر لوجود هذه السموات والأرضين فاعل مختار لا موجب بالذات وما لم يعرف الإنسان أن إله العالم فاعل مختار وقادر على كل الممكنات وأن جميع الحوادث الواقعة في السموات والأرضين لا تحصل إلا بتكوينه وقضائه، لا يمكنه أن يعتبر بعذاب الاستئصال، وذلك لأن الذين يزعمون أن المؤثر في وجود هذا العالم موجب بالذات لا فاعل مختار، يزعمون أن هذه الأحوال التي ظهرت في أيام الأنبياء مثل الغرق والحرق والخسف والمسخ والصيحة كلها إنما حدثت بسبب قرانات الكواكب واتصال بعضها ببعض، وإذا كان الأمر كذلك فحينئذ لا يكون حصولها دليلًا على صدق الأنبياء، فأما الذي يؤمن بالقيامة، فلا يتم ذلك الإيمان إلا إذا اعتقد أنه إله العالم فاعل مختار وأنه عالم بجميع الجزئيات، وإذا كان الأمر كذلك لزم القطع بأن حدوث هذه الحوادث الهائلة والوقائع العظيمة إنما كان بسبب أن إله العالم خلقها وأوجدها وأنها ليست بسبب طوالع الكواكب وقراناتها، وحينئذ ينتفع بسماع هذه القصص، ويستدل بها على صدق الأنبياء، فثبت بهذا صحة قوله: {إِنَّ في ذلك لآيَةً لّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخرة}.
ثم قال تعالى: {ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ}.
واعلم أنه تعالى لما ذكر الآخرة وصف ذلك اليوم بوصفين: أحدهما: أنه يوم مجموع له الناس، والمعنى أن خلق الأولين والآخرين كلهم يحشرون في ذلك اليوم ويجمعون.
والثاني: أنه يوم مشهود قال ابن عباس رضي الله عنهما يشهده البر والفاجر.
وقال آخرون يشهده أهل السماء وأهل الأرض، والمراد من الشهود الحضور، والمقصود من ذكره أنه ربما وقع في قلب إنسان أنهم لما جمعوا في ذلك الوقت لم يعرف كل أحد إلا واقعة نفسه، فبين تعالى أن تلك الوقائع تصير معلومة للكل بسبب المحاسبة والمساءلة.
ثم قال تعالى: {وَمَا نُؤَخّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ} والمعنى أن تأخير الآخرة وإفناء الدنيا موقوف على أجل معدود وكل ماله عدد فهو متناه وكل ما كان متناهيًا فإنه لابد وأن يفنى، فيلزم أن يقال إن تأخير الآخرة سينتهي إلى وقت لابد وأن يقيم الله القيامة فيه، وأن تخرب الدنيا فيه، وكل ما هو آت قريب. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {ذلك من أنباء القُرى نقصُّه عليك}
فيه وجهان:
أحدهما: نخبرك.
الثاني: نتبع بعضه بعضًا.
{منها قائمٌ وحصيدٌ} فيه وجهان:
أحدهما: أن القائم: العامرة، والحصيد: الخاوية قاله ابن عباس.
الثاني: أن القائم: الآثار، والحصيد: الدارس، قاله قتادة، قال الشاعر:
والناس في قسم المنية بينهم ** كالزرع منه قائم وحصيد

قوله عز وجل: {وما زادوهم غير تتبيب} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن التتبيب الشر، قاله ابن زيد.
الثاني: أنه الهلكة، قاله قتاة. قال لبيد:
فلقد بَليتُ وكلُّ صاحب جِدّةٍ ** لبِلىً يعودُ وذاكم التتبيب

ومنه قول جرير:
عرابة من بقية قوم لوطٍ ** ألا تبًا لما فعلوا تبابا

الثالث: التخسير، وهو الخسران، قاله مجاهد وتأول قوله تعالى: {تبَّتْ يدا أبي لهب} [المسد: 1] أي خسرت. اهـ.